فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَاكْتُبْ لَنَا في هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الأَخِرَةِ}.
نَطَقَ بلسان التضرع والابتهال حيث صَفَّى إليه الحاجة، وأخلص له في السؤال فقال: {وَاكْتُبْ لَنَا في هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ} أي اهدنا إليك.
وفي هذه إشارة إلى تخصيص نبيِّنا صلى الله عليه وسلم في التبري من الحول والقوة والرجوع إلى الحقِّ لأن موسى- عليه السلام قال: {وَاكْتُبْ لَنَا فِى....} ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم قال: «لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» ولا أقلَّ من ذلك، وقال: «واكفلني كفالة الوليد» ثم زاد في ذلك حيث قال: «لا أحصي ثناء عليك».
قوله جلّ ذكره: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} أي مِلْنَا إلى دينك، وصِرْنَا لكَ بالكلية، في غير أَنْ نترك لأنفسنا بقية.
قوله جلّ ذكره: {قَالَ عَذَابِى أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ}.
وفي هذا لطيفة؛ حيث لم يقل: عذابي لا أُخْلِي منه أحَدًا، بل علَّقَه على المشيئة. وفيه أيضًا إشارة؛ أنّ أفعاله سبحانه غيرُ مُعَلَّلَة بأكساب الخلق؛ لأنه لم يقل: عذابي أصيب به العصاة بل قال: {مَنْ أَشَاءُ}؛ وفي ذلك إشارة إلى جواز الغفران لمن أراد لأنه قال: {أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ} فإذا شاء ألا يصيب به أحدًا كان له ذلك، وإلا لم يكن حينئذٍ مختارًا.
ثم لمَّا انتهى إلى الرحمة قال: {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَئٍ} لم يُعَلِّقها بالمشيئة؛ لأنها نفس المشيئة ولأنها قديمة، والإرادة لا تتعلق بالقديم. فلمَّا كان العذابُ من صفات الفعل علَّقه بالمشيئة، بعكس الرحمة لأنها من صفات الذات.
ويقال في قوله تعالى: {وَسِعَتْ كُلَّ شَئٍ} مجالٌ لآمالِ العُصَاة؛ لأنهم وإن لم يكونوا من جملة المطيعين والعبادين والعارفين فهم {شئٍ}.
قوله جلّ ذكره: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} أي سأوجبها لهم، فيجب الثواب للمؤمنين من الله ولا يجب لأحدٍ شيء على الله إذ لا يجب عليه شيءٍ لعزِّه في ذاته.
قوله ها هنا: {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} أي يجتنبون أَنْ يروا الرحمة باستحقاقهم، فإذا اتقوا هذه الظنون، وتيقنوا أن أحكامه ليست معللةً بأكسابهم- استوجبوا الرحمة، ويحكم بها لهم.
{وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} أي بما يكاشفهم به الأنظار مما يقفون عليه بوجوه الاستدلال، وبما يلاطفهم به في الأسرار مما يجدونه في أنفسهم من فنون الأحوال. اهـ.

.تفسير الآية رقم (157):

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان اليهود ربما ادعوا ذلك مكابرة، وأضح غاية الإيضاح بقوله: {الذين يتبعون} أي بغاية جهدهم {الرسول} ولما كان هذا الوصف وحده غير مبين للمراد ولا صريح في الرسالة عن الله ولا في كونه من البشر، قال: {النبي} أي الذي يأتيه الوحي من الله فبدأ بالأشراف وثنى بما خصه برسالة الله وكونه من الآدميين لا من الملائكة.
ولما لم يتم المراد، قال مبينًا لأعظم المعجزات، وهي أن علمه بغير معلم من البشر: {الأمي} أي الذي هو مع ذلك العلم المحيط على صفة الأم، وأمة العرب لا يكتب ولا يقرأ ولا يخالط العلماء العلماء للتعليم منهم بل لتعليمهم، فانطبق الوصف على الموصوف مع التنويه بجلالة الأوصاف والتشويق إلى الموصوف، ولم يعطف لئلا يوهم تعداد الموصوف- والمعنى أني لا أغفر لأحد من بني إسرائيل ولا من غيرهم إلا إن اتبع محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهذا الاتباع تارة يكون بالقوة فقط لمن تقدم موته على زمانه، وتارة يخرج منة القوة إلى الفعل ممن لحق زمانه دعوته، فمن علم الله منه أنه لا يتبعه إذا أدركه لا يغفر له ولو عمل جميع الطاعات غير ذلك، وعرفه لهم بجميع خواصه حتى لا يتطرق إليه عند مجيئه ولا ريب يتعلل في أمره بعلة، ولذلك أتبعه بقوله: {الذي يجدونه} أي علماء بني إسرائيل؛ ولما اشتد تشوف بذكر الوجدان، قال: {مكتوبًا} ثم قرب الأمر بقوله: {عندهم} ثم بين أنه مما لا يدخله شك بقوله: {في التوراة والإنجيل} أي اللذين يعلمون أنهما من عند الله بصفته البينة كما تقدم بيانه عما عللوا عن تبديله منهما في البقرة {وإذا ابتلى إبراهيم ربه} [البقرة: 124] وفي آل عمران عند {إن الله اصطفى آدم ونوحًا} [آل عمران: 33] وفي النساء عند {ما قتلوه يقينًا} [النساء: 157] وفي التوارة أيضًا من ذلك في الفصل الحادي عشر من السفر الخامس: وإذا دخلتم الأرض التي يعطيكم الله ربكم فلا تعملوا مثل أعمال تلك الشعوب ولا يوجد فيكم من يطلب تعليم العرافين، ثم قال: لأن هذه الشعوب التي ترثونها كانت تطيع العرافين والمنجمين، فأما أنتم فليس هكذا يعطيكم الله ربكم، يل يقيم لكم نبيًا من إخوتكم مثلي، فأطيعوا ذلك النبي كما طلبتم إلى الله ربكم في حوريب يوم الجماعة وقلتم: لا تسمع صوت الله ربنا ولا تعاين هذه النار العظيمة لئلا نموت، فقال الرب:
ما أحسن ما تكلموا، إني سأقيم لهم نبيًا من إخوتهم مثلك، أجعل كلامي في فيه ويقول لهم ما آمره به، والذي لا يقبل قول ذلك النبي الذي يتكلم باسمي أنا أنتقم منه ومن سبطه- انتهى.
هكذا رأيته مترجمًا في بعض نسخ التوارة، ثم رأيت السموأل بن يحيى المغربي ترجمه في كتابه الذي ذكر فيه سبب إسلامه وكان من أكابر علمائهم بل العلماء فقال: نبيًا أقيم لهم من وسط إخوتهم مثلك، بع فليؤمنوا- انتهى.
وهو يعني أن يكون هذا النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم لأنه من بني إسماعيل أخي إسحاق وقد أتى بشريعة مستقله لا تعلق لها بشريعة قبلها ولا توقف لها عليها، وذلك أن في العبارة كلمتين: مثل وإخوة، وحقيقة الأخ ابن أحد الأبوين، وهو لا يتأتى في أحد من أنبيائهم، فأقرب المجاز إلى حقيقته الحمل على أخي الأب، وهو إسماعيل عليه السلام، والشائع في الاستعمال في نحو ذلك على تقدير إرادة أحد منهم أن يقال: من أنفسهم، لا من إخوتهم، وحقيقة المثل المشارك في أخص الصفات، وأخص صفات موسى عليه السلام الرسالة والكتاب بشريعة مستقلة، ولم يأت منهم بعده من هو بهذه الصفة، لأن عيسى عليه السلام لم ينسخ من شريعة موسى عليه السلام إلا بعض الأحكام، وعلى تقدير دعوى ذلك فيه لكونه نسخ في الجملة وتسليم ذلك لا يتأتى قصده بهذا النص لوجهين: أحدهما أنه ليس من رجالهم إلا بواسطة أمه، فحق العبارة فيه: من بني أخواتهم- جمع أخت، وإذا أريد آباء أمه كان المجاز فيهم أبعد من المجاز في بني إسماعيل لما تقدم، ولا ينتقل إلى الأبعد إلا بقرينة تصرف عن الأقرب- والله أعلم.
وقال السمؤال بن يحيى أحد أحبارهم في سبب إسلامه: إن اليهود يقولون: إن هذه البشارة نزلت في حق سموأل أحد أنبيائهم الذين بعد موسى لأنه كان مثل موسى عليه السلام في أنه من سبط لاوي، وقال: إنه رأى سموأل عليه السلام في المنام وأنه دفع إليه كتابًا فوجد فيه هذه البشارة فقال له: هنيئًا لك يا نبي الله ما خصك الله به! فنظر مغضبًا وقال: أوإياي أراد الله بهذا يا ذكي!ما أفادتك إذن البراهين الهندسية، فقلت: يا نبي الله! فمن أراد الله بهذا؟ قال: الذي أراد في قوله: هوفيع ميهار فاران، وتفسيره إشارة إلى نبوة وعد بنزولها على جبال فاران، فعرفت أنه يعني المصطفى صلى الله عليه وسلم، لأنه المبعوث من جبال فاران وهي جبال مكة، ثم قال: أو ما علمت ان الله لم يبعثني بنسخ شيء من التوارة، وإنما بعثني أذكرهم بها وأحيي شرائعها وأخلصهم من أهل فلسطين، قلت: بلى يانبي الله! قال: فأي حاجة بهم إلى أن يوصيهم ربهم باتباع من لم ينسخ دينهم ولم يغير شريعتهم، أرأيتهم احتاجوا إلى أن يوصيهم بقبول نبوة دانيال أو يرميا أو حزقيل؟ قلت: لا لعمري! فأخذ الكتاب من يدي وانصرف مغضبًا فارتعبت لغضبه وازدجرت لموعظته واستيقظت مذعورًا.
وقال في كتابه غاية المقصود في الرد على النصارى واليهود: إن الله يطلق الإخوة على غير بني إسرائيل كما قال في بني العيص بن إسحاق عليه السلام في الجزء الأول من السفر الخامس ما تفسيره: أنتم عابرون في تخم إخوتكم بني العيص فإذا كانوا بنو العيص إخوة لبني إسرائيل لأن العيص وإسرائيل ولدا إسحاق، فكذلك بنو إسماعيل إخوة لجميع ولد إبراهيم عليهم السلام، قال: وفي الجزء الثالث من السفر الأول من التوراة في ذكر البشارة لإبراهيم عليه السلام ما تفسيره: وأما في إسماعيل فقد قبلت دعاءك، ها قد باركت فيه وأثمره وأكثره جدًّا جدًّا وقال: إن جدًّا جدًّا بلسان العبراني مفسر بماد ماد وهاتان الكلمتان إذا عددنا حروفها بحساب الجمل كان اثنتين وتسعين، وذلك عدد حساب حروف اسم محمد صلى الله عليه وسلم، يعني فتعين أن يكون مرادًا بها لأنها في البشارة بتكثير إسماعيل عليه السلام، وليس في أولاده من كثره الله به وعدد اسمه هذا العدد غير محمد صلى الله عليه وسلم، قال: وإنما جعل ذلك في هذا الموضع ملغزًا، لأنه لو صرح به لبدلته اليهود أو أسقطته من التوراة كما عملوا في غيره- انتهى.
وفي آخرة فصول التوراة: دعا موسى عبد الله لبني إسرائيل قبل وفاته قال: أتى ربنا من سيناء وشرق لنا من جبل ساعير وظهر لنا من جبل- وفي نسخة: جبال فاران، معه ربوات الأطهار على يمينه، أعطاهم وحببهم إلى الشعوب وبارك على جميع أطهاره- وهم يتبعون آثارك ويتناقلون كلماتك.
وفي نسخة بدل: معه ربوات الأطهار- إلى آخره: وأتى من ربوات القدس بشريعة نوره من يمينه لهم، واصطفى أيضًا شعبًا فجميع خواصه في طاعتك وهم يقفون آثارك وسيتناقلون كلماتك انتهى.
فالذي ظهر من جبال فاران هو محمد صلى الله عليه وسلم، لأنهم معترفون أنها مكة، ومعه ربوات، أي جماعات الأطهار، وأمته حببت إلى الشعوب، لأن كلًا من فريقي أهل الكتاب يقدمهم على الفريق الآخر، ولم يقبل أحد جميع كلام موسى عليه السلام ويتبع جميع آثاره في بشارته ممن يأتي بعد غيرهم- هذا وأما الإنجيل فالبشائر فيه أكثر وقد تقدم كثير منها، وهي تكاد أن تكون صريحة في سورة النساء في قصة رفعه عليه السلام، ومما فيه أيضًا ما في إنجيل متى وغيره وأغلب السياق له: كثيرًا أولون يصيرون آخرين وآخرون يصيرون أولين، يشبه ملكوت السماوات إنسانًا رب بيت حرج بالغداة يستأجر فعلة الكرمه فشارط الأكرة على دينار واحد في اليوم وأرسلهم إلى كرمه، ثم خرج في ثالث ساعة فأبصر آخرين قيامًا في السوق بطالين، فقال لهم: امضوا أنتم إلى كرمي وأنا أعطيكم ما تستحقون، فمضوا، وخرج أيضًا في الساعة السادسة والتاسعة فصنع كذلك، وخرج في الحادية عشرة فوجد آخرين قيامًا، فقال لهم: ما قيامكم كل النهار بطالين؟ فقالوا له: لم يستأجرنا أحد، فقال لهم: امضوا أنتم بسرعة إلى الكرم وأنا أعطيكم ما تستحقون، فلما كان المساء قال رب الكرم لوكيله: ادع الفعلة وأعطهم الأخرة وابدأ بهم من الآخرين إلى الأولين، فجاء أصحاب الساعة الحادية عشرة فأخذوا دينار كل واحد، فجاء الأولون فظنوا أنهم يأخذون أكثر فأخذوا دينار كل واحد، لما أخذوا تعمقوا على رب البيت وقالوا إن هؤلاء الآخرين عملوا ساعة واحدة، جعلتهم أسوتنا ونحن حملنا ثقل النهار وحرّه! فقال لواحد منهم: ياصاحب! ما ظلمتك، ألست بدينار شارطتك، خذ شيئك وامض، أريد أن أعطي هذا الأخير مثلك، أو ما لي أن أفعل ما أردت بمالي؟ وأن عينك شريرة، كذلك يكون الآخرون أولين، والأولون آخرين، ما أكثر المدعوين وأقل المنتخبين، وقال: ودخل إلى الهيكل فجاء إليه رؤساء النكهة وشيوخ الشعب وقالوا له وهو يعلم: بأيّ سلطان تفعل هذا؟ ومن اعطاك هذا السلطان؟ أجاب يسوع وقال لهم: أنا أسألكم عن كلمة واحدة، فإن أنتم قلتم لي قلت لكم بأي سلطان أفعل هذا، معمودية يوحنا من أين هي؟ من السماء أو من الناس؟ ففكروا في نفوسهم قائلين: إن قلنا: من السماء قال لنا: لماذا لم تؤمنوا به؟ وإن قلنا: من الناس، خفنا من الجمع، وقال لوقا: وإن قلنا من الناس فإن جميع الشعب يرجمنا لأنهم قد تيقنوا أن يوحنا نبي؛ وقال متى: لأن يوحنا كان عندهم مثل نبي؛ وقال مرقس: لأن جميعهم كان يقول: إن يوحنا نبي؛ قال متى: فقالوا: لا نعلم، فقال: ولا أنا أيضًا أعلمكم بأي سلطان أفعل هذا.